نحن الآن في مدينة بورصة في عهد السلطان العثماني "يايزيد " الملقب بـ الصاعقة ... الفاتح الكبير الذي سحق جيوش خمس عشرة دولة أوروبية.
هذا السلطان اقتضى حضوره للإدلاء بشهادة في أمر من الأمور أمام القاضي و العالم المعروف "شمس الدين فناري " .
حيث دخل السلطان إلى المحكمة و وقف أمام القاضي ، و قد عقد يديه كأي شاهد اعتيادي .
رفع القاضي بصره إلى السلطان ، و أخذ يتطلع إليه بنظرات محتدة ، قبل أن يقول له :( إن شهادتك لا يمكن قبولها ذلك لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة ، والشخص الذي لا يؤدي صلواته جماعة دون عذر شرعي يمكن أن يكذب في شهادته ).
نزلت كلمات القاضي كالصاعقة على رؤوس الحاضرين في المحكمة ... كان هذا اتهاماً كبيراً ، بل إهانة كبيرة للسلطان .. و قد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أن يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان !
و لكن السلطان لم يقل شيئاً بل استدار و خرج من المحكمة بكل هدوء .
ثم أصدر السلطان في اليوم نفسه أمراً ببناء جامع ملاصق لقصره، وعندما تم تشييده بدأ يصلي كل صلواته جماعة .
عندما كان المسلمون يملكون أمثال هؤلاء العلماء .. ملكوا أمثال هؤلاء السلاطين.
"المصدر : روائع من التاريخ العثماني / أورخان محمد علي"